يصمت العاقل لانه زمان ردئ
لذلِكَ يَصْمُتُ الْعَاقِلُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ لأَنَّهُ زَمَانٌ رَدِيءٌ. (عا ٥ : ١٣)
يحدثنا الكتاب المقدس فى سفر عاموس النبى الإصحاح الخامس عن زمان صمت العاقل
ولكى ندخل أكثر إلى عمق الايه لابد أن نتعرف اولا عن من هو العاقل؟
ليس العاقل الذى هو مملوء من المعرفه الارضيه والنظريات العلميه وان كان كل ذلك مطلوب لأجل البنيان والنجاح فى حياتنا على الأرض مثلما كان الرب مع يوسف فكان رجلا ناجحا روحيا وعمليا
ولكن بمفهوم روحى العاقل هو المملوء من كل حكمه روحيه ولديه روح الإفراز والتمييز
والكتاب المقدس يصف العاقل بسفر الأمثال قائلا (فِي شَفَتَيِ الْعَاقِلِ تُوجَدُ حِكْمَةٌ، وَالْعَصَا لِظَهْرِ النَّاقِصِ الْفَهْمِ.) (أم ١٠ : ١٣)
إذن عقل الإنسان الحقيقى فى حكمته وايضا يخبرنا سفر الأمثال أن الحكمه هى غاية العاقل (الْحِكْمَةُ عِنْدَ الْفَهِيمِ). (أم ١٧ : ٢٤)
ولكن لماذا يصمت العاقل ؟
يجاوبنا سفر الجامعه بهذه الايه الجميله (لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ) (جا ٣ : ١)
وفى موضع آخر يحدثنا الحكيم بسفر الجامعه بأنه (لِلسُّكُوتِ وَقْتٌ وَلِلتَّكَلُّمِ وَقْتٌ.) (جا ٣ : ٧)
إذن ليس حسنا أن يتكلم الحكيم العاقل فى وقت السكوت
بل الحكمه تقتضى وقتها الصمت كما يخاطب أيوب الصديق أصدقائه قائلا (لَيْتَكُمْ تَصْمُتُونَ صَمْتًا. يَكُونُ ذلِكَ لَكُمْ حِكْمَةً. ) (أي ١٣ : ٥)
وهنا يقودنا الحديث عن ما هو زمن الصمت وعدم الكلام ؟
وحيث أن معرفتنا الحقيقيه فى الاجابه عن أى سؤال نحصل عليها دائما من الكلمه النبويه وهى أثبت كما يقول القديس بطرس الرسول (وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ) (2بط ١ : ١٩)
والكلمة النبويه ترشدنا بالايه الموضحة فى البدايه
أن العاقل يصمت فى الزمن الردئ
وهنا نجد أن الكتاب المقدس يوضح لنا فى أكثر من موضع متى ينبغي أن نصمت
القديس بولس الرسول يوصى تلميذه تيموثاوس فى رسالته الثانيه له قائلا (لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ،فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ) ( 2تيمو ٤ :٣، ٤)
انه حقا زمن ردئ تتصلف فيه قلوب هولاء وتتشامخ الاعناق ولا تجد الكلمه طريقا لها
بل يوضح القديس بولس الرسول أنه وقتها حسب شهواتهم يجمعون لهم معلمين لكى يعظوا لهم حسب اهوائهم الخاصه
ولم يقصد القديس بولس الرسول ان يعطى روح اليأس بذلك لتلميذه الحبيب تيموثاوس بل ان يشجعه ويحثه على سرعة العمل والخدمه الان وتقديم كلمة الحق لانها قد تكون مقبوله اليوم ولكن لا يتم قبولها غدا
اذن عندما يكون هناك وقت مقبول يجب استغلال هذه الفرصه فالقلب المستعد لقبول الكلمه اليوم قد يرفضها غدا ما لم نخدمه اليوم
حقا ان الزمن ليس فى صالحنا فأن كان اليوم زمن مقبول وحسن فقد يكون غدا زمن ردئ غير مقبول الكلام به وهنا يصمت العاقل لان الكلام الثمين اذا قيل فى وقت وزمن ليس له ذلك يكون اشبه بمن يلقى بالدرر الثمينه
ورب المجد يسوع المسيح يعلمنا قائلا (لاَ تُعْطُوا الْقُدْسَ لِلْكِلاَب، وَلاَ تَطْرَحُوا دُرَرَكُمْ قُدَّامَ الْخَنَازِيرِ، لِئَلاَّ تَدُوسَهَا بِأَرْجُلِهَا وَتَلْتَفِتَ فَتُمَزِّقَكُمْ) (مت ٧ : ٦)
كأنه يقول لنا اعرفوا ماذا تقدمون؟ ولمن تقدمون ؟
لابد ان يعرف الانسان قيمة المقدسات والدرر الثمينه فلا يهبها فى سذاجه لكل انسان وانما يقدمها للانسان المناسب وفى الوقت المناسب والمقبول والقديس اغسطينوس يقول فى تفسير هذه الايه (لنفهم ان "الكلاب" تشير الى مقاومى الحق و "الخنازير" الى محتقريه)
وايضا يوضح لنا القديس بولس الرسول فى رسالته الى تلميذه تيطس نوعا اخر من الوقت والزمن الردئ الذى نصمت فيه ونعرض عن الاشتراك فيه حيث يقول (وَأَمَّا الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ، وَالأَنْسَابُ، وَالْخُصُومَاتُ، وَالْمُنَازَعَاتُ النَّامُوسِيةُ فَاجْتَنِبْهَا، لأَنَّهَا غَيْرُ نَافِعَةٍ، وَبَاطِلَةٌ.) (تي ٣ : ٩) أى أنه وقت المشاحنات التى تزرع الخصام وتهدد البنيان أنه وقت وزمان ردئ يجب أن نصمت به ويكمل له ايضا ويقول (اَلرَّجُلُ الْمُبْتَدِعُ بَعْدَ الإِنْذَارِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ، أَعْرِضْ عَنْهُ. ) (تي ٣ : ١٠) وكلمة اعرض عنه هنا أى اصمت ولاتجاوبه وتجنبه
لأنه لا جدوى من الكلام
والقديس بولس الرسول يرشد تلميذه تيموثاوس الى نوعيه اخرى يصمت معها بل ويعرض عنها حيث يقول (لهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ. ) (2تيمو ٣ : ٥)
والقديس بولس الرسول عندما ذكر هذه الايه تكلم عن الازمنه وقال (وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ،) (2تيمو ٣ : ١) ووصفها بأنها ازمنه صعبه لانه حقا سيكون ذلك زمن ردئ
وطلب من تلميذه ان يعرض عن هولاء الذين لهم صورة التقوى وشرح له صفات هولاء الذين سوف يكونوا فى هذه الازمنه الصعبه الرديئه حيث تكلم عنهم قائلا (لأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ، بِلاَ حُنُوٍّ، بِلاَ رِضًى، ثَالِبِينَ، عَدِيمِي النَّزَاهَةِ، شَرِسِينَ، غَيْرَ مُحِبِّينَ لِلصَّلاَحِ، خَائِنِينَ، مُقْتَحِمِينَ، مُتَصَلِّفِينَ، مُحِبِّينَ لِلَّذَّاتِ دُونَ مَحَبَّةٍ ِللهِ،) (2تيمو ٣ : ٢-٤)
والقديس يوحنا ذهبى الفم فى تعليقه على ذلك وعلى ان كل خطيه تنتج الخطيه التاليه لها يقول( تصدر محبة المال عن محبة الانسان لذاته ... وعن محبة المال تنبع محبة العظمه، وعن حب العظمه الكبرياء، وعن الكبرياء التجديف، وعن التجديف التحدى وعدم الطاعه...فمن يتكبر على الناس يتكبر على الله بسهوله.هكذا تتولد الخطايا وترتفع من اسفل الى اعلى، فمن يكون تقيا فى تعامله مع الناس يكون هكذا بالاكثر مع الله. ومن يكون وديعا مع العبيد زملائه يكون بالاكثر وديعا مع سيده واذا يحتقر العبد زميله ينتهى به الامر الى احتقار الله نفسه. اذن ليتنا لا نحتقر بعضنا البعض لان هذه خبره شريره تعلمنا احتقار الله)
والقديس كبريانوس يقول عن الازمنه الرديئه التى تكلم عنها القديس بولس الرسول (لقد اقتربت نهاية العالم فظهرت العلامات من جهة الناس كما من جهة الازمنه، فالاخطاء تخدع والخصم (ابليس) يهيج اكثر فأكثر، والعنف يشتد ، والحسد يلتهب، والطمع يعمى العيون، والشر يغوى، والكبرياء ينفخ، والانشقاق يتزايد مراره، والغضب يسرع برعونه)
واخطر انواع الشر ان يحمل الانسان صورة التقوى والمظهر البراق المخادع ومن الداخل مملوء فسادا ومن اجل ذلك طلب القديس بولس الرسول من تلميذه ان يعرض عن هؤلاء تماما
والقديس يوحنا ذهبى الفم يقول فى ذلك (ان هذا الرياء يمثل لصا خطيرا يسلب كل المتدينين كل مالديهم، فالخطايا السابقه واضحه يسهل على مرتكبيها ان يتوبوا ويعترفوا بها، اما خطية الرياء، فغالبا يصعب على مرتكبيها ادراكها. اذ لايخدع الاخرين فحسب وانما يخدع ايضا نفسه، فيرى فى نفسه انه افضل من الاخرين ولايقبل التعليم او النصح)
اذن انه وقت وزمن يصمت فيه العاقل
بل ان سفر اعمال الرسل يحدثنا فى الاصحاح السادس عشر كيف ان الروح القدس منع التلاميذ من ان يتكلموا بالكلمه فى اسيا (وَبَعْدَ مَا اجْتَازُوا فِي فِرِيجِيَّةَ وَكُورَةِ غَلاَطِيَّةَ، مَنَعَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْكَلِمَةِ فِي أَسِيَّا.) (أع ١٦ : ٦)
وهنا نلمس كيف يوجه روح الله رجال الله بحيث يرشدهم متى يتكلموا ومتى يصمتوا
والرجل العاقل (كُلِّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ الْحِكْمَةَ) (سى ١٨ : ٢٨) المملوء من كل حكمه روحيه وثابت فى رب المجد يسوع المسيح الذى هو اقنوم الحكمه نجد ان الروح يعلمه ويرشده ان يصمت فى ذلك الزمان الردئ لانه زمان لا يجدى فيه الكلام.
لان الكلمه ما افضل ان تقال فى موضعها كقول الكتاب بسفر الامثال (تُفَّاحٌ مِنْ ذَهَبٍ فِي مَصُوغٍ مِنْ فِضَّةٍ، كَلِمَةٌ مَقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا.) (أم ٢٥ : ١١)
ليعطينا الله بنعمة ابنه الحبيب رب المجد يسوع المسيح وبأرشاد روحه القدوس ان نكون فى كل حين ممتلئين من كل حكمه روحيه ولدينا روح الافراز والتمييز لكى نعرف متى نتكلم وتكون الكلمه فى موضعها الصحيح ومتى نصمت وبالاخص فى الزمن الردئ الذى يتتطلب منا الصمت برهانا على الحكمه الروحيه التى تعطى لنا من فوق (كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ.) (يع ١ : ١٧)
ولالهنا المجد والاكرام الان وكل اوان والى دهر الدهور امين
بقلم / لورانس وديع
© مدونة لورانس وديع
👍👍👍👍
ردحذف