لن يهدأ حتى يتمم الامر اليوم
(راعوث تقابل بوعز اثناء التقاطها السنابل بحقل بوعز - الصوره نقلا عن موقع الانبا تكلا)
"اجْلِسِي يَابِنْتِي حَتَّى تَعْلَمِي كَيْفَ يَقَعُ الأَمْرُ، لأَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ الأَمْرَ الْيَوْمَ". (را ٣ : ١٨)
يحدثنا سفر راعوث بهذه الايه الرائعه التى فيها تحدث نعمى كنتها راعوث عن بوعز
لقد أظهرت راعوث الموآبيه وفاءا واحسانا كبيرا نحو حماتها وأصرت على ترك بلدها موآب واهلها والعوده مع حماتها إلى أرض يهوذا بالرغم من وفاة زوجها
ولما حاولت نعمى أثناء راعوث عن العوده معها
اصرت راعوث على ذلك ونطقت بالايه الشهيره المملوءه حبا وقالت ( "لاَ تُلِحِّي عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَكِ وَأَرْجعَ عَنْكِ، لأَنَّهُ حَيْثُمَا ذَهَبْتِ أَذْهَبُ وَحَيْثُمَا بِتِّ أَبِيتُ. شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلهُكِ إِلهِي.) (را ١ : ١٦)
وفى أرض يهوذا وهى تعتبر أرض غربه بالنسبة الى راعوث ذهبت راعوث للعمل لاعالة نفسها وحماتها
ذهبت تلتقط السنابل من وراء الحصادين
وبترتيب الهى تعمل فى الحقل المملوك لبوعز وهو قريب اليمالك زوج نعمى المتوفى وايضا ولى لهم
ويتعرف بوعز على راعوث وما قدمته من وفاء ومحبة نحو حماتها ويقول لها ("إِنَّنِي قَدْ أُخْبِرْتُ بِكُلِّ مَا فَعَلْتِ بِحَمَاتِكِ بَعْدَ مَوْتِ رَجُلِكِ، حَتَّى تَرَكْتِ أَبَاكِ وَأُمَّكِ وَأَرْضَ مَوْلِدِكِ وَسِرْتِ إِلَى شَعْبٍ لَمْ تَعْرِفِيهِ مِنْ قَبْلُ.) (را ٢ : ١١)
ويمتدح وفائها ويدعو لها قائلا ( لِيُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلاً مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ".) (را ٢ : ١٢)
وتتوالى الأحداث إلى أن تصل أن يبدأ بوعز فى خطوات الزواج من راعوث
الا أنه طبقا الشريعه هناك ولى أقرب منه إلى عشيرة اليمالك وهو الذى له هذا الحق الا لو تنازل عنه يكون وقتها بوعز هو صاحب الحق وهو ما حدث بالفعل
وهنا عند بدء بوعز اتخاذ القرار فى الرجوع للولى والاقدام على الزواج من راعوث
قالت نعمى لراعوث هذه الايه التى بدئنا بها فى الصداره ("اجْلِسِي يَابِنْتِي حَتَّى تَعْلَمِي كَيْفَ يَقَعُ الأَمْرُ، لأَنَّ الرَّجُلَ لاَ يَهْدَأُ حَتَّى يُتَمِّمَ الأَمْرَ الْيَوْمَ".) (را ٣ : ١٨)
نعم لن يهدأ حتى يتمم الامر اليوم
أن سلوك بوعز ووصف نعمى له أنه لن يهدأ حتى يتمم الامر لهو يدل حقا على بر بوعز وعدم تأجيله الأمور وليس ذلك فقط بل تؤكد انه سوف يتمم الامر اليوم
ان كلمة اليوم تدل على اهتمامه وحرصه على عدم التأجيل لاى يوم او موعد اخر
أن الكتاب المقدس يحثنا على السرعه وعدم التأجيل فى ما يمس امورنا الخلاصيه (مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ.) (أف ٥ : ١٦)
وقال القديس بولس الرسول إلى اهل كورنثوس برسالته الثانيه ( وَلكِنِ الآنَ تَمِّمُوا الْعَمَلَ أَيْضًا، حَتَّى إِنَّهُ كَمَا أَنَّ النَّشَاطَ لِلإِرَادَةِ، كَذلِكَ يَكُونُ التَّتْمِيمُ أَيْضًا حَسَبَ مَا لَكُمْ.) (2كو ٨ : ١١)
وايضا يقول لهم (لأَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّشَاطُ مَوْجُودًا فَهُوَ مَقْبُولٌ عَلَى حَسَبِ مَا لِلإِنْسَانِ، لاَ عَلَى حَسَبِ مَا لَيْسَ لَهُ.) (2كو ٨ : ١٢)
وبألتامل فى ذلك ندرك ان النمو فى الحياه الروحيه يتطلب ان تكون الإرادة حاضره مع عدم التأجيل وسرعة التنفيذ
عندما افتقدت النعمه الابن الضال رجع إلى نفسه وقال (اقوم الآن واذهب إلى ابى)
أن هناك قرارات روحيه هامه لا تحتمل التأجيل بل تتطلب من كلا منا أن لا يهدأ حتى يتمم الامر اليوم وليس غدا
فمثلا عندما تفتقد النعمه الإنسان لتقديم التوبه إذا تهاون وقام بألتاجيل يفقد الحراره الروحيه وتضيع الفرصه
أن كثيرين من اللذين أجلوا التوبه لم يتوبوا على الاطلاق ولما حاولوا التوبه فيما بعد وجدوا الطريق صعبا
علما بأنه فى كل مره يؤجل الإنسان التوبه هو رفض المصالحة مع الله
حقا أن التأجيل من الأفآت الروحيه الخطيره
ومن الثعالب الصغيره المفسده الكروم
بل إن البعض قام بتأجيل التوبه إلى أن انتهت حياته ولم يقدم توبه
وسفر الأمثال يقول (لاَ تَفْتَخِرْ بِالْغَدِ لأَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مَاذَا يَلِدُهُ يَوْمٌ.) (أم ٢٧ : ١)
ويحدثنا سفر أعمال الرسل فى الإصحاح ٢٤ عن فيلكس الوالى وزوجته دورسلا وهى يهوديه ويقول الكتاب عندما كان بولس الرسول يكلمه عن البر والدينونه (وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ، ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ، وَأَجَابَ:"أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ، وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ". (أع ٢٤ : ٢٥)
أرأيت يا اخى الحبيب إجابة فيلكس (متى حصلت على وقت استدعيك)
أنه ذات التأجيل إلذى يؤدى إلى ضياع الفرصه
ويعلمنا الآباء بالحياه الروحيه على ضرورة الإسراع فى التوبه وعدم التأجيل
يقول القديس الأنبا انطونيوس اب الرهبان (أطلب التوبه فى كل لحظه، ولا تدع نفسك للكلل لحظة واحده)
القديس أنبا باخوميوس اب الشركه يقول (لا تؤجل التوبه لئلا يفاجئك المرسلون ويأخذونك وانت غير مستعد فتصيبك شدة عظيمه وتعاين حينئذ الوجوه الشنيعه التى تحيط بك بقساوه وتمضئ بك الى الى المنازل المظلمه المملوءه فزعا ونيرانا. تيقظ بكل قوتك كى تكون امينا على مال سيدك وتدخل الى ملكوته بفرح)
ويقول القديس انبا تيموثاوس (اذا انت سقطت فلا تتوانى، ولاتكسل، بل قم بسرعه، واذا ضللت اسرع بالرجوع الى خلف حتى تجد الطريق المستقيمه، لان الطريق المستقيمه حسنه جدا وليس فيها دوران، ولاتحتاج الى طول الزمان ، بل بسرعه تصل الى مدينة السلام)
ان بوعز كان اسما على مسمى حيث ان بوعز اسم عبرى معناه ذو العزه وذو البأس والنشاط
وذلك يدل على قوة ارادته ونشاطه فى الاسراع نحو نهو الامر بالاضافه الى عزته وسط شعبه
وحقا وصفته نعمى بأنه لن يهدأ حتى يتمم الامر اليوم
ان النمو والجهاد فى الحياه الروحيه يتطلب البأس والنشاط والقديس بولس يطلب من اهل كورنثوس فى رسالته الاولى قائلا (اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا.) (1كو ١٦ : ١٣)
ان السعى فى الحياه الروحيه يتطلب منا ان نكون حقا رجالا والمتنيح قداسة البابا شنوده الثالث معلم الاجيال يوضح ذلك ويقول (ان طريق ملكوت السموات يتطلب منا الرجوله الروحيه ، لفظ ان نكون رجالا ليس من حيث النوع ولكن من حيث الصفات التى تتصف بها الرجوله من قوه ونشاط وبأس ،لذا فأن النساء الابرار القديسات كانت تسلك بكل رجوله وقوه فى الحياه الروحيه)
ويحدثنا سفر راعوث بنهايته (الاصحاح الرابع) ان بوعز صاحب البأس والعزه تمم الامر وتزوج من راعوث الموآبيه وانجب عوبيد الذى انجب يسى والد داؤد النبى والملك
لقد صار بوعز جدآ للملك داؤد
ونال اعظم مكافأه ان يكون جدآ حسب الجسد لملك الملوك الرب يسوع المسيح
ونجد اسمه يرد فى سلسلة نسب الهنا يسوع المسيح الوارده بأنجيل متى الاصحاح الاول وانجيل لوقا الاصحاح الثالث
حقا بنواله هذه المكافأه العظمى صار اسمه خالدا على مر الزمان
ليعطينا الرب ان نسلك فى حياتنا الروحيه بكل نشاط ورجوله روحيه ولا نهدأ حتى نتمم مقاصد الله فى حياتنا ونسلك حسب ارادة الله ومشيئته بكل قوه وبأس وجديه فى الحياه الروحيه لان الله يطلب قداستنا كما يقول الكتاب (لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ.) (1تس ٤ : ٣)
وذلك لكى ننال منه المكافأه العظمى وننعم بالحياه الابديه فى ملكوت السموات والقديس بولس الرسول يقول فى رسالته الاولى الى اهل تسالونيكى (لأَنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْنَا لِلْغَضَبِ، بَلْ لاقْتِنَاءِ الْخَلاَصِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،)(1تس ٥ : ٩)
الله قادر ان يثبتنا على الدوام فى ابنه رب المجد يسوع المسيح بقوة ونعمة روحه القدوس ويعطينا ان نسلك بكل جديه ونشأط وبأس فى حياتنا الروحيه بلا كلل او تعب كما ورد بسفر اشعياء النبى (عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ. يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا،) (إش ٦٢ : ٦) ومفتدين الوقت ونحن نركض نحو الجعاله.
ولالهنا كل المجد والاكرام الان وكل اوان والى دهر الدهور امين
بقلم لورانس وديع
© مدونة لورانس وديع
تعليقات
إرسال تعليق