ارجع يا إسرائيل

 

اِرْجِعْ يَا إِسْرَائِيلُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ، لأَنَّكَ قَدْ تَعَثَّرْتَ بِإِثْمِكَ. (هو ١٤ : ١)

الان والدقائق تتلاحق وراء بعضها البعض وقت كتابة هذه الكلمات موضوع هذا التأمل لتعلن اقتراب نهاية عام ٢٠٢٠م وماهى الا دقائق قليله ويبدأ العام الميلادى الجديد عام ٢٠٢١م  

 نجد جميعنا عيوننا تتجه نحو السماء بخشوع وتضرع لكى يكون العام الجديد مملوء من كل بركه ونعمه  

وفى هذه اللحظات الحاسمه التى فيها نودع عام مضى بكل ما له وعليه 

ونستقبل عام جديد من حياتنا نترجى فيه من الله أن يكون مملوء بالثمر الروحى ونصنع فيه مشيئة الله

  وهو فى ذات الوقت عام من حياتنا يمثل لنا العد التنازلى نحو نهاية رحلة غربتنا على الارض ...نجد أنفسنا تقترب من الله اكثر واكثر لنصلى بحراره ونسمع صوته من خلال كتابه المقدس لان كل ما كتب هو لأجل تعليمنا كقول الكتاب ( لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ.) (رو ١٥ : ٤)

نجد الوحى الالهى يرشدنا ويعلمنا بالاصحاح الرابع عشر من سفر هوشع النبى والايه الاولى من الاصحاح قائلا (اِرْجِعْ يَا إِسْرَائِيلُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكَ، لأَنَّكَ قَدْ تَعَثَّرْتَ بِإِثْمِكَ.) (هو ١٤ : ١) 

ان الصوت الالهى يدعو اسرائيل الى تقديم التوبه والعوده الى الرب

ان إسرائيل هنا تمثل النفس البشريه فى كل زمان ومكان والرب يدعوها قائلا (ارجع يا اسرائيل) والدعوة شخصيه موجهه لكل شخص للتوبه والرجوع لله

ان فعل الامر فى كلمة (ارجع) يدل على حتمية التوبة والرجوع الى الله ولا سبيل للنجاه غير ذلك

وقداسة البابا شنوده الثالث يقول عن التوبه (مادامت الخطيه هى انفصال عن الله، فالتوبه اذن هى رجوع الى الله)

لذلك يقول الكتاب المقدس فى سفر ملاخى النبى ( ارجعوا الي، ارجع اليكم) (ملا٧:٣)

ورب المجد يسوع المسيح يوضح لنا عمق التوبه والاشتياق الى الرجوع فى قصة الابن الضال

حقا ان التوبه هى حنين الانسان الى الله وهى اشتياق قلب ابتعد عن الله، ثم شعر انه لايستطيع ان يبعد اكثر من ذلك

ومادامت الخطيه هى خصومه وعداوه مع الله ، اذن تكون التوبه هى مصالحه مع الله كقول القديس بولس الرسول فى الرساله الثانيه الى اهل كورنثوس (إِذًا نَسْعَى كَسُفَرَاءَ عَنِ الْمَسِيحِ، كَأَنَّ اللهَ يَعِظُ بِنَا. نَطْلُبُ عَنِ الْمَسِيحِ: تَصَالَحُوا مَعَ اللهِ.) (2كو ٥ : ٢٠)

والتوبه ايضا يقظه روحيه من حالة النوم والمهادنه والعيش مع الخطيه لان الانسان الخاطئ هو انسان غافل لايشعر او يحس بالوضع الذى هو فيه لذلك يقول الكتاب (هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ، أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ، فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا.) (رو ١٣ : ١١)

ولان الخطيه تعتبر موتا روحيا كما يقول الكتاب (اموات بالخطيه) (اف ٥:٢) لذا تكون التوبه انتقالا من الموت الى الحياه كماورد برسالة يوحنا الرسول الاولى (نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ ) (1يو ٣ : ١٤)

ان التوبه هى فى الحقيقه التحرر من عبودية الخطيه وقيود الشيطان واغلال العادات الخاطئه والتوقف عن السير وراء الشهوات والرغبات الغير لائقه ، ولايمكن ان ننال هذه الحريه بدون عمل الروح القدس فينا الذى يبكت على خطيه وبر ودينونه لكى نصل الى الحريه بالتوبه لذلك يقول الانجيل (ان حرركم الابن ،فبالحقيقه تكونون احرارا) (يو ٣٦:٨)

والتوبه لاتقتصر على الصلح مع الله فقط ولكن بها ايضا يعود الله فيسكن القلب الذى طرد الخطيه بالتوبه النقيه

 لانه اى شركة للنور مع الظلمه ورب المجد يسوع المسيح  يقول ("أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ".) (يو ٨ : ١٢)

والتوبه الحقيقيه هى ترك الخطيه بلا رجعه ولعل امثلة القديسين التائبين كثيره مثل القديس موسى القوى والقديس اوغسطينوس والقديسات مريم المصريه وبيلاجيه

ان التوبه الحقيقيه كانت نقطة تحول وتغيير مسار فى حياة كل منهم

نقطة تحول نحو الله الذى هو الغايه وفيه الملجأ والحماية وبدمه مغفرة الخطايا وبدون رجعه للخطيه

 ويذكرنا هذا بقول القديس شيشوى (لااتذكر ان الشياطين قد اوقعونى فى خطيه واحده مرتين)

ربما كانت الخطيه الاولى عن جهل او ضعف اما بعد التوبه واليقظه فهناك كل التدقيق كقول الكتاب (لاننا لا نجهل افكاره)

اما الذى يترك الخطيه ثم يعود لها فهذا لم يتب بعد

او انها محاولات ظاهريه للتوبه لا عمق لها

او توبه فيها اعتماد اكثر على الذات بدون طلب بأنسحقاق للمعونه من الرب

ان كل محاوله للاعتماد على الذات بدون المعونه الالهيه سوف تبوء بالفشل وقد علمنا المسيح ذلك بقوله (بدونى لا تقدرون ان تفعلوا شيئا) 

والقديس بولس الرسول فى الاعتماد على الله يقول (استطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى)

ان التوبه ليست انفعال لحظى ولكنها منهج حياه دائم فيه ننسى  ما هو وراء ونمتد الى ما هو قدام 

وقد سئل مار اسحق السريانى عن التوبه فقال (هى قلب منسحق)

ان الانسحاق فى التوبه هو الذبيحه الحقيقيه للتوبه

ان الصوت الالهى بسفر هوشع النبى فى الايه موضوع تأملنا هذا يقول لاسرائيل (النفس البشريه) ارجع يا اسرائيل لانك قد تعثرت بأثمك

ان كلمة (تعثرت) للدلاله على السقوط من المكانه الطبيعيه الى موضع سفلى

وهذا هو حال الخطيه والاثم الذى يسبب السقوط الروحى بالبعد عن الله  مصدر قوتنا وقداستنا لان الخطيه كما سبق وتحدثنا هى خصومه مع الله

وللرجوع الى الله ونحن فى نهاية عام مضى واستقبال عام جديد يجب ان نمتحن انفسنا بالتدقيق وندين ذواتنا لكى نصل بنعمة المسيح الى توبة حقيقيه مقبوله

 والمسيح بسفر الرؤيا يدعو ملاك كنيسة افسس للتوبه قائلا (فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ.)(رؤ ٢ : ٥)

يجب علينا لتقديم توبه حقيقيه ان نعترف بضعفاتنا وخطايانا وزلاتنا وان نكون امناء مع انفسنا فى تحديد اسباب ومسببات السقوط والخطيه فى حياتنا الروحيه وندين ذواتنا بالاكثر بدون إلقاء اللوم على أى أحد أخر 

وقديما صرخ احد بنى الانبياء الى اليشع النبى فى سفر الملوك الثانى عند ضياع راس فأسه الحديد بالماء قائلا (وَإِذْ كَانَ وَاحِدٌ يَقْطَعُ خَشَبَةً، وَقَعَ الْحَدِيدُ فِي الْمَاءِ. فَصَرَخَ وَقَالَ: "آهِ يَا سَيِّدِي! لأَنَّهُ عَارِيَةٌ"فَقَالَ رَجُلُ اللهِ: "أَيْنَ سَقَطَ؟" فَأَرَاهُ الْمَوْضِعَ، فَقَطَعَ عُودًا وَأَلْقَاهُ هُنَاكَ، فَطَفَا الْحَدِيدُ.

فَقَالَ: "ارْفَعْهُ لِنَفْسِكَ". فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهُ.) (2مل ٦ :٥- ٧)

تأمل فى ذلك اخى الحبيب انه لكى يستعيد راس الفأس الحديد المفقود اخبر رجل الله بمكان السقوط وتمكن بعدها من استرداد ما فقد منه

هكذا نحن ايضا يجب ان نقدم توبه حقيقيه بصرخة ندم وانسحقاق واعتراف لكى نسترد حريتنا ومكانتنا فى الرب يسوع المسيح ويخبرنا الكتاب انه (ان اعترفنا بخطايانا فهو امين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل اثم) (١يو ٩:١)

وحقا قيل عن التوبه انها القناه التى توصل استحقاقات دم المسيح من الصليب

لنستقبل الان العام الميلادى الجديد ٢٠٢١م مع دقات الساعه الثانيه عشر مساءا التى تعلن بدء اليوم الجديد بتوبه حقيقيه وفرح فى السماء لان الكتاب يوضح لنا ذلك (يكون فرح فى السماء بخاطئ واحد يتوب) (لو٧:١٥)

ان اردت ان تفرح السماء الان فى هذه اللحظات الهامه ونحن نستقبل العام الجديد اذن ارجع الى الرب الهك بالتوبه

لان التوبه هى حياة الغلبه والنصره بالرب يسوع المسيح وبداية الطريق مع يسوع الذى اعطانا الغلبه بدمه الثمين 

حقا ما اجمل انشودة الغالبين مع المرنم (نجت انفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين، الفخ انكسر، ونحن نجونا)(مز ٦:١٢٤)

التوبه الان وليس غدا ونشكر الهنا الحبيب الرب يسوع المسيح الذى تأنى علينا واعطانا العمر واللحظه التى نقدم بها التوبه

لنضع اقدامنا بالتوبه الان على اول طريق القداسه 

لنثبت فى الرب يسوع المسيح الطريق الحقيقى الذى قال عنه نفسه ("أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ.). (يو ١٤ : ٦) وشهد له بداية انجيل يوحنا (فيه كانت الحياه)

ونسلك بطهاره وقداسة وبر مفتدين الوقت لان الايام شريره

واضعين ثقتنا الحقيقيه بالرب يسوع المسيح

ليعطينا الرب الان ان نقدم توبه حقيقيه

 واطلب من الجميع بمحبه  مسيحيه الصلاه من اجل ضعفى انا الخاطئ لكى يهبنى الرب يسوع المسيح الهنا الحبيب توبه حقيقيه مقبوله فى كل حين

وان يثبتنا جميعا فى اسمه القدوس الى الابد 

الله قادر ان يعين ضعفاتنا ويعطينا الثبات فى ابنه الحبيب الرب يسوع المسيح بقوة روحه القدوس

ولالهنا المجد والاكرام الان وكل اوان والى دهر الدهور امين

بقلم/ لورانس وديع

©مدونة لورانس وديع


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يصمت العاقل لانه زمان ردئ

لن يهدأ حتى يتمم الامر اليوم

صنع الرب خلاصا عظيما