الاستهانه بالخطيه المغفوره
لا تَكُنْ بِلا خَوْفٍ مِنَ قَبْلَ الْخَطِيْئَةِ الْمَغْفُورَةً لِتَزِيدَ خَطِيْئَةَ عَلَىَ خَطِيْئَةٍ (سى ٥ : ٥)
هذه الايه دره من الدرر الثمينه الموجوده بسفر يشوع بن سيراخ بالاصحاح الخامس عدد (٥)
حيث يحدثنا الكتاب المقدس هنا عن عدم المخافه والاستهانه بالخطيه المغفوره
ان الاستهانه بالخطيه المغفوره ينتج عنها عدم التدقيق فى الحياه الروحيه والاستمرار من خطية الى خطيه ويوضح ذلك القديس بولس الرسول فى الرساله الى اهل روميه ويقول (أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ،) (رو ٢ :٤- ٥)
ان غفران الخطيه يتم على حساب دم المسيح الذى سفك من اجلنا الدم الكريم لخلاصنا
وهو ان كان عطيه مجانيه لنا كقول الكتاب (مُتَبَرِّرِينَ مَجَّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الَّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ،) (رو ٣ : ٢٤)
الا ان هذه العطيه المجانيه لكى تقدم لكل منا
قدم لها الرب يسوع المسيح الثمن
حيث قدم نفسه عنا ذبيحة كفاريه وسفك الدم الكريم على عود الصليب ويوضح لنا الكتاب المقدس ذلك ويقول (بَلْ بِدَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ،مَعْرُوفًا سَابِقًا قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، وَلكِنْ قَدْ أُظْهِرَ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ أَجْلِكُمْ، (1بط ١ :١٩- ٢٠)
وايضا قول الكتاب (فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَال مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ!) (عب ٩ : ١٤)
نعم من اجل خطايانا القدوس البار الذى لم يعرف خطيه ("الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ"،)(1بط ٢ : ٢٢)
صار خطيه لاجلنا (لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ.) (2كو ٥ : ٢١)
لذا يجب ان نضع نصب اعيننا كل حين هذا الخلاص العظيم (فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ؟)(عب ٢ : ٣)
ان الاستهانه بالخطيه المغفوره وعدم المخافه هو فى حد ذاته استهانه بالدم الثمين الذى سفك لاجل غفران الخطيه كقول الكتاب (فَكَمْ عِقَابًا أَشَرَّ تَظُنُّونَ أَنَّهُ يُحْسَبُ مُسْتَحِقًّا مَنْ دَاسَ ابْنَ اللهِ، وَحَسِبَ دَمَ الْعَهْدِ الَّذِي قُدِّسَ بِهِ دَنِسًا، وَازْدَرَى بِرُوحِ النِّعْمَةِ؟) (عب ١٠ : ٢٩)
ثم ان الاستهانه بالخطيه المغفوره على امل تقديم التوبه فى كل مره والحصول على الغفران هو نوع من البروده الروحيه التى تتمثل فى ممارسة عبادات شكليه بعيده عن الحراره وعن النمو الروحى كقول القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاس فى الرساله الثانيه عن وصف هولاء (لَهُمْ صُورَةُ التَّقْوَى، وَلكِنَّهُمْ مُنْكِرُونَ قُوَّتَهَا. فَأَعْرِضْ عَنْ هؤُلاَءِ.) (2تيمو ٣ : ٥)
والرب يسوع المسيح بسفر الرؤيا يوجه الرساله الى ملاك كنيسة ساردس ويقول له (أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ.) (رؤ ٣ : ١)
ثم ان الاستمرار فى عمل الخطيه للثقه فى ان كل مره بعدها سيتم تقديم التوبه والحصول على الغفران هو مقاومه لعمل الروح القدس داخلنا وفى ذلك يقول الكتاب (لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ.) (1تس ٥ : ١٩)
وقد تكون هناك خطيه بلاتوبه وهى الخطيه التى يعقبها الموت مباشره قبل ان نجد وقت لتقديم توبه وفى ذلك يقول القديس اغسطينوس (كثيرا ما نقول غدا اتوب وينتهى كل شىء .. حسنا.. ولكن ماذا يحدث لو مت قبل غد ؟ ان الذى وعدك بالغفران اذا تبت لم يعدك بالغد اذا اجلت)
بل ان الاصرار على الاستهانه بالخطيه المغفوره يؤدى بنا الى مزيد من الخطايا
وكل خطيه هى فى حد ذاتها تمرد وعصيان على وصايا الله
وحقا انه منطق غريب بين التمادى فى عدم المخافه وتكرار عمل الخطيه التى هيا فى الاساس توجه نحو الله ثم أطلب بعد ذلك من الله مغفرة الخطايا
علاوه عن ان التوبه للحصول على مغفرة الخطيه لابد ان يصاحبها انسحقاق وندم وعزم على عدم الرجوع للخطيه مرة اخرى وان حدث سقوط بالخطيه مرة اخرى يكون على سبيل الضعف
لا الاستهانه وعدم المخافه
وفى ذلك يقول القديس باسيليوس الكبير ( لان ليس الذي يقول اخطات ويلبث مصرا على الخطية يعترف.. لابل الذى يجد خطيته ويبغضها )
اذا الاستهانه تتنافى مع مشاعر الانسحاق والندم المطلوبه للتوبه الحقيقيه وبالتالى اصبحت التوبه غير كامله فى ذاتها ومفرغه من مضمونها الروحى
ومفرغه من هدفها الاساسى الذى غايته ان يؤهل الانسان للقداسه لان الكتاب يوضح ذلك ويقول (لأَنَّ هذِهِ هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: قَدَاسَتُكُمْ.) (1تس ٤ : ٣)
وبالتوبه الحقيقيه نتمم ارادة الله فى الانسان الا وهى السعى فى طريق القداسه نحو الملكوت الابدى لان الله كما يقول الكتاب (يريد ان جميع الناس يخلصون والى معرفة الحق يقبلون)
وفى ذلك يقول المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث (الذى يقول أنه تاب ثم يرجع إلى الخطية ثم يتوب ثم يرجع ، هذا لم يتب بعد.. ليست هذه توبة إنما محاولات للتوبة ، أما التائب الحقيقى فهو إنسان قد تغيرت حياته وقد ترك الخطية إلى غير رجعة مثل توبة أغسطينوس وموسى الأسود)
وهناك مبدأ روحى هام فى التوبه هو أن التوبة ليست الندم والبكاء على الخطايا السابقه فقط وطلب الغفران انما ايضا أن تكون مصحوبه بمشاعر الجديه نحو بدء حياة جديده مملوءه طهارة واستقامة وصلاح
بذهن طاهر نقى كقول الكتاب(تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ. (رو ١٢ : ٢)
أى أن نمتد نحو الأمام لنثبت فى شخص ربنا يسوع المسيح وفى ذلك يقول القديس بولس الرسول لاهل فيلبى (إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّام،)(في ٣ : ١٣)
والمتنيح ابونا بيشوى كامل يقول عن التوبه (التوبة لا تقف عند الندم على الخطية ولكنها تتقدم خطوة أخرى إيجابية . وهى كيف يبدأ التائب حياة جديدة مع الله ؟!)
اذا يتضح من ذلك أن مشاعر عدم المخافه و الاستهانة بغفران الخطيه يتنافى ويتناقض مع الجديه المطلوب فى التوبه لبدء حياة جديده مملوءه نعمه وتقوى وثبات فى شخص ربنا يسوع المسيح
مما يجعلها توبة غير كامله لها صورة التوبه ولكنها من الداخل فاقده لقوة التوبه الحقيقيه
ان تأنى الله علينا فى كل مره انما هو لطف من الله لكى يقتادنا الى التوبه
انما الاستهانه بلطف الله يؤدى الى قساوه القلب التى تجلب غضب الله (الأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ،) (كو ٣ : ٦)
وهناك نقطة هامه ان الخطيه لها عقوبة ارضيه ويوضح لنا الكتاب ذلك فى خطية زنا داؤد النبى مع بثشبع زوجة اوريا الحثى فبالرغم من نواله الغفران ( فَقَالَ دَاوُدُ لِنَاثَانَ: "قَدْ أَخْطَأْتُ إِلَى الرَّبِّ". فَقَالَ نَاثَانُ لِدَاوُدَ: "الرَّبُّ أَيْضًا قَدْ نَقَلَ عَنْكَ خَطِيَّتَكَ. لاَ تَمُوتُ.) (2صم ١٢ : ١٣)
الا انه كعقوبة ارضيه للخطيه قال ناثان النبى لداؤد (هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هأَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هذِهِ الشَّمْسِ.لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ". (2صم ١٢ :١١-١٢)
وعن العقوبة الارضيه للخطيه
يقول المتنيح ابونا بيشوى كامل (الخطية لها ثمار ردية : مرض .. ألم .. عدم سلام قلق .. ضيق .. اضطراب .. خوف .. حقد .. شهوة .. إلخ . والانسان الذى يعيش تحت نيرها فهو يجنى ثمارها الذى لم يحس بخطاياه ، والذى مازال ساقطاً فى كبريائه وبره الذاتى صعب عليه أن يتلامس مع يسوع .. أى مخلص حياته )
وفى النهايه نقول ان غفران الخطايا الذى يمنحه لنا رب المجد يسوع المسيح هو عطيه مقدمه منه برهان على محبته لنا نحن الخطاه لانه هو احبنا اولا
وهو جاء ليبطل اعمال ابليس واعمال الظلمه
لقد جاء ليطلب ويخلص ماقد هلك
ويقدم الخلاص للجميع كقول الكتاب (هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياه الابديه)
إذن هيا عطيه ونعمه قدمها الله كقول الكتاب (الَّذِي قَدَّمَهُ اللهُ كَفَّارَةً بِالإِيمَانِ بِدَمِهِ، لإِظْهَارِ بِرِّهِ، مِنْ أَجْلِ الصَّفْحِ عَنِ الْخَطَايَا السَّالِفَةِ بِإِمْهَالِ اللهِ. (رو ٣ : ٢٥)
ويجب علينا أن نحافظ على هذه النعمه الثمنيه بكل حرص وتدقيق ولا نستهين بها
ويوضح لنا الكتاب المقدس كيف كان عيسو مستهينا ومستبيحا للعطيه المجانيه التى له وهى البكوريه
وعن ذلك يقول القديس بولس الرسول فى رسالته الى اهل العبرانين (لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ. (عب ١٢ : ١٦)
وماذا كانت نتيجة الاستهانه والاستباحه يقول الكتاب (فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضًا بَعْدَ ذلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ. (عب ١٢ : ١٧)
ليعطينا الرب يسوع المسيح الهنا الحبيب ان نحيا فى كل حين حياة التوبه الحقيقيه الممزوجه بالندم على ما فات والجديه نحو ما هو ات
ونركض نحو الجعاله ونحن ناظرين فى كل حين نحو رئيس الايمان ومكمله الرب يسوع المسيح الذى احبنا حتى المنتهى حتى الصليب
ونطلب من الهنا الحبيب ان يعوضنا عن كل السنين التى اكلها الجراد ونحيا بكل جديه روحيه كقول الكتاب (اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا.) (1كو ١٦ : ١٣)
واثقين انه فى كل حين يعطى بسخاء ولا يعير احد
ولالهنا المجد والاكرام الان وكل اوان والى دهر الدهور امين
بقلم/ لورانس وديع
©مدونة لورانس وديع
تعليقات
إرسال تعليق